ألبرتينا سيسولو.. سيدة رفضت العنصرية

ألبرتينا سيسولو.. سيدة رفضت العنصرية
ألبرتينا سيسولو

ربما ليست الاسم الأشهر، وربما ظلمتها شهرة الآخرين، لكن بالتأكيد لها مكانة خاصة لدى شعبها الذي ناضلت من أجله، والأشخاص الذين دافعت عن حقوقهم ودفعت ثمنًا مقابل هذا، وبذلت غالبية سنوات عمرها في المناداة برفع الظلم عنهم، والتأكيد أن الإنسان هو الإنسان في كل مكان، له الحقوق نفسها مهما اختلف لونه أو جنسه أو دينه، وأن أحدًا على وجه الأرض لا يملك الحق في التحكم بمصير أي إنسان آخر على أي أساس.


ألبرتينا سيسولو أو ماما سيسولو اسم ارتبط بالنضال ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، حيث كانت واحدة من القادة البارزين المناهضين لهذا النظام، إلى جانب زوجها الناشط والتر سيسولو الأمين العام السابق ونائب رئيس المؤتمر الوطني الإفريقي، وبالتأكيد إلى جانب الأسطورة الباقية نيلسون مانديلا الاسم الأشهر والأبرز لمكافحة هذا النظام.

وفقت ميشيل باشيليت، مفوّضة الأمم المتّحدة السابقة لحقوق الإنسان، عندما وصفت ماما سيسولو في بيان لها أصدرته بالذكرى الـ70 لاعتماد الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان عام 2018 عندما قالت "علمتنا ماما سيسولو وغيرها من نساء جنوب إفريقيا أن نحذو حذوهنّ ونقتدي بشجاعتهنّ وقوتهنّ الهائلة وثباتهنّ.. لقد ألهم مانديلا وماما سيسولو وكثيرون غيرهم، عملنا في جميع أنحاء العالم".

أسهمت الظروف التي خرجت منها ألبرتينا في تشكيل شخصية قوية، حيث ولدت إلى جانب خمسة إخوة في منطقة تسومو في ترانسكاي في 21 أكتوبر 1918، وهي المنطقة التي كانت تعاني من ظروف قاسية من بينها مرض الإنفلونزا الإسبانية التي أصيبت بها والدتها في فترة حملها، ورغم ذلك جاءت ألبرتينا للحياة بصحة جيدة.

ذهبت ألبرتينا وعائلتها للعيش في منطقة أخرى غير التي ولدت فيها، والتحقت بمدرسة ابتدائية محلية في "كان" يديرها مبشرون مسيحيون، وكان الإجراء المعتاد هو أن يختار المتعلمون السود أسماء مسيحية من القائمة المقدمة لهم من قبل المبشرين واختارت هي اسم ألبرتينا، وتفوقت ألبرتينا في المدرسة في الأنشطة الثقافية والرياضية، ومع ذلك، اضطرت إلى ترك المدرسة عدة مرات لرعاية إخوتها الصغار، لأن والدتها كانت مريضة باستمرار.

قررت ألبرتينا أن تعمل ممرضة، وبدأت التدريب في مستشفى جوهانسبرغ العام في عام 1940، وبدأت عملها قابلة في عام 1946، وكانت غالبًا ما تضطر إلى المشي لزيارة المرضى في البلدات، وكانت تحمل موادها ومعداتها في حقيبة سفر على رأسها أثناء عملها ممرضة، والتقت ألبرتينا بزوجها والتر سيسولو.

لم يكن لها اهتمامات سياسية بالقوة نفسها التي كان يتمتع بها زوجها، لكن الأمور تغيرت مع زيادات المطالبات بوقف نظام الفصل العنصري، وانضمت إلى الاتحاد النسائي في المؤتمر الوطني الإفريقي، وشاركت في إطلاق ميثاق الحرية، وشاركت في مسيرة كبيرة ضمت ما يزيد على 20 ألف امرأة احتجاجاً على سياسات نظام الفصل العنصري، وتم سجنها لعدة أسابيع على خلفية إحدى القضايا المرتبطة بالأمر، ودافع عنها في هذا الوقت المحامي نيلسون مانديلا.

وعندما تزوجت من والتر، قال لها نيلسون مانديلا: "ألبرتينا، لقد تزوجت من رجل متزوج- ووالتر تزوج السياسة قبل أن يقابلك" وأدركت حقيقة الأمر عندما عانت من ظروف صعبة بعد اعتقال زوجها على خلفية نشاطاته السياسية.

على الرغم من أن ألبرتينا لم تنخرط في السياسة إلا بسبب زوجها، فإنها واصلت عمله من أجل جنوب إفريقيا المحررة أثناء وجوده في السجن، وواجهت بشراسة قانونًا تعليميًا أصدرته حكومة الفصل العنصري يفرض تعليمًا دينيًا شديدًا للأطفال السود في جنوب إفريقيا.

وألقي القبض على ألبرتينا في عام 1963 عندما لم تتمكن سلطات جنوب إفريقيا من تحديد مكان زوجها والتر بعد أن اختفى عقب إطلاق سراحه بكفالة في انتظار عقوبة السجن لمدة 6 سنوات، ما جعلها أول امرأة يتم احتجازها بموجب قانون تعديل القانون العام الذي أصدر في هذا التوقيت.

بعد ذلك، اضطهدت الدولة ألبرتينا بلا هوادة وأدت أنشطتها السياسية إلى دخولها وخروجها من السجن وخضوعها لأوامر حظر متعددة، وتحدثت عن تلك الفترة قائلة "كانت الشرطة تطرق الباب في الساعات غير الطبيعية، الساعة الواحدة ظهرًا كان يأتون فقط لمضايقتك يطرقون الباب وجميع النوافذ عندما تفتح الباب، تحاصر الشرطة المنزل.. هذا تحرش".

وفي عام 1983، ألقي القبض عليها مرة أخرى بتهمة الترويج لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي في جنازة لأحد الأشخاص، وأمضت 7 أشهر في الحبس الانفرادي قبل محاكمتها، وحُكم عليها بالسجن لمدة 4 سنوات، لكن أطلق سراحها في انتظار الاستئناف.

وبعد ذلك بعامين، ألقي القبض عليها مرة أخرى ووجهت إليها تهمة الخيانة، وتم إطلاق سراحها هذه المرة بعد احتجاجات حاشدة ورفض الرأي العام الدولي نظام الفصل العنصري، وفي عام 1989 أطلق سراح زوجها والتر من السجن، وفي العام نفسه، تم أيضًا رفع الحظر عن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي وعملت ألبرتينا ووالتر بجد لإعادة ترسيخ نفسيهما في المشهد السياسي.

وتم انتخاب والتر نائبًا لرئيس حزب المؤتمر الوطني الإفريقي وانتُخبت ألبرتينا نائبة لرئيس رابطة نساء حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، وسافرت للقاء الرؤساء الأمريكيين السابقين جورج دبليو بوش وجيمي كارتر ورئيسة وزراء المملكة المتحدة مارغريت تاتشر، وتحدثت بالتفصيل عن الظروف القاسية التي يواجهها السود في جنوب إفريقيا وشجعتهم على مواصلة العقوبات ضد نظام الفصل العنصري.

وفي عام 1994 أصبحت جزءًا من أول برلمان ديمقراطي في جنوب إفريقيا، وخدمت لمدة 4 سنوات حتى تقاعدت، كما حصلت على جائزة من الرئيس نيلسون مانديلا آنذاك، وفي عام 1999 حصلت على الدكتوراه الفخرية من جامعة ويتواترسراند لتفانيها في قضية الديمقراطية والعدالة في جنوب إفريقيا.

وخارج العمل السياسي دشنت مؤسسة ألبرتينا سيسولو، التي تعمل على تحسين حياة الأطفال الصغار والمسنين، وفي عام 2003، تم تكريمها على سنوات تفانيها في الارتقاء الاجتماعي بجنوب إفريقيا، وحصلت على المرتبة 57 في برنامج أعظم الأشخاص في جنوب إفريقيا في هيئة الإذاعة العامة.

وفي عام 2011 رحلت عن عالمنا وتم توديعها وداعا يليق بالرموز التي ناضلت من أجل شعب جنوب إفريقيا، وقال رئيس جنوب إفريقيا في هذا الوقت، جاكوب زوما، خلال حفل التأبين: "لقد سقطت واحدة من أرسخ وأجلّ دعائم نضالنا الوطني".


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية